إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا logo       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
shape
شرح كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد
33373 مشاهدة print word pdf
line-top
ذكر كلام البخاري في مسألة ظهور البدع مع تغير الزمان

قال المؤلف رحمه الله تعالى: ولنختم الكلام في هذا النوع بمـا ذكره البخاري في صحيحه حيث قال، ثم ذكر بإسناده قوله صلى الله عليه سلم: لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة، وذو الخلصة صنم لدوس يعبدونه، فقال صلى الله عليه وسلم لجـرير بن عبد الله ألا تريحني من ذي الخلصة؛ فركب إليه بمن معه فأحرقه وهدمه، ثم أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره قال: فبرك على خيل أحمس ورجالها خمسا .
وعادة البخاري -رحمه الله- إذا لم يكن الحديث على شرطه ذكره في الترجمة، ثم أتى بما يدل على معناه مما هو على شرطه، ولفظ الترجمة وهو قوله: يتغير الزمان حتى تعبد الأوثان لفظ حديث أخرجه غيره من الأئمة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ولنذكر من كلام الله تعالى، وكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكلام أئمة العلم جملا في جهاد القلب واللسان، ومعادات أعداء الله وموالات أوليائه، وأن الدين لا يصح ولا يدخل الإنسان فيه إلا بذلك، فنقول:
باب في وجوب عداوة أعداء الله من الكفار والمرتدين والمنافقين
وقول الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ وقوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ إلى قوله تعالى: كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ .
وقوله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ .
وقال الإمام الحافظ محمد بن وضاح أخبرني غير واحد أن أسد بن موسى كتب إلى أسد بن الفرات .
اعلم يا أخي أن ما حملني على الكتاب إليك ما ذكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس، وحسن حالك مما أظهرت من السنن، وعيبك لأهل البدع وكثرة ذكرك لهم وطعنك عليهم، فقمعهم الله بك، وشد بك ظهر أهل السنة وقواك عليهم بإظهار عيبهم والطعن عليهم، فأذلهم الله بيدك، وصاروا ببدعتهم مستترين.
فأبشر يا أخي بثواب ذلك واعتد به من أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحج والجهاد، وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله تعالى وإحياء سنة رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحيا شيئا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين -وضم بين إصبعيه- وقال: أيما داع إلى هدى فاتُبع عليه كان له مثل أجر من اتبعه إلى يوم القيامة فمتى يدرك أجر هذا بشيء من عمله.
وذكر أيضا أن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا يذب عنها وينطق بعلامتها؛ فاغتنم يا أخي هذا الفضل وكن من أهله فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن وأوصاه: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرا لك من كذا وكذا وأعظم القول فيه.
فاغتنم ذلك وادع إلى السنة حتى يكون لك من ذلك ألفة وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حدث؛ فيكونون أئمة بعدك؛ فيكون لك ثواب ذلك إلى يوم القيامة، كما جاء في الأثر، فاعمل على بصيرة ونية وحسبة، فيرد الله بك المبتدع المفتون الزائغ الحائر؛ فتكون خلفا من نبيك -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنك لن تلقى الله بعمل يشبهه، وإياك أن يكون لك من أهل البدع أخ أو جليس أو صاحب؛ فإنه جاء في الأثر: من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه، ومن مشى إلى صاحب بدعة مشى في هدم الإسلام. وجاء: ما من إله يعبد من دون الله أبغض إلى الله من صاحب هوى.
وقد وقعت اللعنة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أهل البدع، وأن الله لا يقبل منهم صرفا ولا عدلا ولا فريضة ولا تطوعا، وكلما ازدادوا اجتهادا وصوما وصلاة؛ ازدادوا من الله بعدا، فارفض مجالسهم، وأذلهم وأبعدهم كما أبعدهم الله وأذلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأئمة الهدى بعده. انتهى كلام أسد -رحمه الله تعالى-.


من كلام البخاري رحمه الله باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان أراد بذلك أن في آخر الزمان يحدث قوم يعبدون الأوثان، والأوثان: كل ما عبد من دون الله. والعبادة: صرف شيء من الطاعة لغير الله، فيدخل في ذلك الذبح للقبور والنذر لها، وتحري الصلاة عندها، ودعاء أربابها؛ يا سيدي فلان ارحمني وأعطني وانصرني.
البخاري ذكر بإسناده حديث: لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة ودوس قبيلة مشهورة في أدنى اليمن وذو الخلصة صنم لدوس، ومن دوس أبو هريرة -رضي الله عنه- منازلهم في جبال السروات .
كان ذو الخلصة صنما يعبدونه في الجاهلية؛ بِناية بنوها وصاروا يعبدونها. لما أسلم جرير البجلي في سنة عشر أرسله ليهدم ذو الخلصة: ألا تريحني من ذي الخلصة فركب إليه جرير ومعه خيل فأحرقه وهدمه، وجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: ما أتيتك إلا وقد تركته كالجمل الأجرب، فبرَّك النبي -صلى الله عليه وسلم- على خيل أحمس ورجالها خمس مرات .
البخاري ذكر حديث: لا تقوم الساعة وذكر حديث وروى أيضا حديث: ألا تُريحني من ذي الخلصة ولم يذكر حديث يتغير الزمان.
يقول: عادة البخاري إذا لم يكن الحديث على شرطه؛ ذكره وترجمه، ثم أتى بما يدل على معناه مما هو على شرطه.
ولفظ الترجمة تغير الزمان حديث: يتغير الزمان حتى تعبد الأوثان أخرجه أهل السنن وغيرهم؛ يعني: دليل على أنها سوف تعبد الأصنام في آخر الزمان، وإن لم يسموها أصنامًا يسمونها الآن مشاهد مزارات، ويسمون أهلها سادة وأولياء.
ثم يقول المؤلف: ولنذكر من كلام الله تعالى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام أئمة العلم جملا في جهاد القلب، واللسان في معاداة أعداء الله وموالاة أوليائه، وأن الدين لا يصح ولا يدخل الإنسان فيه إلا بذلك.
ذكر آيات من القرآن، وأحاديث من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- ونُقولا من كلام أهل العلم تتضمن جهاد القلب واللسان؛ الجهاد بالقلب والجهاد باللسان، وتتضمن معاداة أعداء الله من الكفار، وموالاة ومحبة أولياء الله، وأن الدين لا يصح ولا يدخل فيه الإنسان إلا بذلك.

line-bottom